عن عكرمة مولى ابن عباس أنه قال : إن ملكاً من الملوك نادى في مملكته : إن وجدت أحداً يتصدق بشئ قطعت يده ، فجاء سائل إلى إمرأة فقال : تصدقي علي بشئ ، فقالت : كيف أتصدق عليك والملك يقطع يد من يتصدق ؟ قال : أسألك بوجه الله إلا تصدقت عليّ بشئ ، فتصدقت عليه برغيفتين ، فبلغ ذلك الملك ، فأرسل إليها وقطع يديها .
ثم إن الملك قال لأمه : دليني على إمرأة جميلة لأتزوجها ، فقالت : إن هاهنا إمراة ما مثلها لو لا عيب بها .. قال : أي عيب بها ؟ قالت : مقطوعة اليدين ، قال : فأرسلي إليها ، فلما رآها أعجبته ـ وكان لها جمال ـ فتزوجها الملك وأكرمها .. ثم نهض عدو للملك ، فخرج إليهم ، ثم كتب إلى أمه : أنظري فلانة فاستوصي بها خيراً وافعلي معها ..
فجاء رسول الملك فنزل على بعض ضرائرها فحسدونها ، وأخذن الكتاب ، فغيرنه ، وكتبن إلى أمه : أنظري فلانه فقد بلغني أن رجالاً يأتونها ، إخرجيها من البيت ، واطرديها شر طردة .
فكتبت إليه الأم : أنك قد كذبت يا إبني ، وإنها لأمرأة صدق ..
فأخذ الرسول الخطاب وذهب إلى ضرائرها فنزل بهن ، فأخذن الكتاب ، فغيرنه وكتبن إليه : إنها فاجرة وقد ولدت غلاماً من الزني ..
فكتب إلى أمه : انظري فلانة فاجعلي ولدها على رقبتها ، واضربي على جيبها وأخرجيها ، فلما جاء الكتاب إلى أمه قرأته عليها وقالت لها : اخرجي ، فجعلت الصبي على رقبتها وذهبت ، فمرت بنهر وهي عطشانة ، فنزلت لتشرب ، والصبي على رقبتها ، فوقع في الماء فغرق ، فجلست تبكي على شاطئ النهر ، فمرّ بها رجلان فقالا : ما يبكيك ؟ فقالت : إبنى كان على رقبتي وليس لي يدان فسقط في الماء فغرق ، فقالا لها : أتحبين أن يرد الله عليك يدك كما كانتا ؟ قالت : نعم ، فدعوا الله ربهما لها ، فاستوت يداها ، ورفعتهما إلى الله طالبة منه جل وعلا أن يخرج لها إبنها ، فخرج من الماء سالماً معافى بإذن الله ..
ثم قالا لها : أتدرين من نحن قالت : لا
قالا : نحن الرغيفان اللذان تصدقت بهما ..
الله أكبر ، الله القادر ، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون .. (الطيب)