الالحاح النفسي.. لتحصيل الكمال
الشيخ جعفر حسن
.. في التجربة البشرية أرشيف غني بالالحاح النفسي – الغريزي للانسان ليحيط نفسه بكمالات واشباعات ومنافع, فضلاً عن التفتيش عن أسباب العيش الكبير في نعمة الصحة الجسدية والعقلية وما اليها..
وقد عبرت البشرية بأنماط مختلفة عن هذا التوجه, بل كسرت أساليب للتعامل مع الحياة والوجود والنعم, فالانسان بطبعه ميال للاشباعات, وغريزته تلح عليه التفتيش عن اسباب السعادة المتصلة بالصحة والغريزة والنزعة المتنوعة والبقاء وشبه ذلك.
وكأن في البشر مؤشراً أصيلاً يصر عليهم أن يعيدوا تركيب مسيرهم بما يتلائم وطبيعة الوجود وإمكاناته بين الماضي والحاضر والمستقبل.
من هنا نجد البشر منذ الازمان السحيقة يتحدثون عن الوجود وما يعنيه..؟ عن حدوده وطبيعة محطاته... ويلحون بأسئلة من قبيل:
- من هم البشر,
- ما هي صلتهم الكونية, وصفتهم الموقعية,
- ما هي ضماناتهم الوجودية,
- أين يقع بهم ساح الوجود, وضمن أي حدود,
- بأي مركب هم قائمون,
- ماذا يعني المركب الكوني أو الانتماء الطبيعي,
- ماذا تعني الطبيعة والكون في بحر الخلق, وضمن أي صنف ونتاج,
ثم يقررون البديهيات التالية: الخلق يدل على الخالق, الوجود يدل على الواجد, النظام يدل على الناظم, الابداع يدل على المبدع, وكل ما في الوجود لا بد مردود الى غني مطلق قائم بذاته غير مسبوق بعدم...
هذا ما قرره كبار الفلاسفة والعقلاء ونطقت به فطرة البشر في دنيا الانسان على طول التجربة والوجود..
والاهم من هذا وذاك ان الله تعالى بعث الرسل والبينات باعجازات متتالية هائلة متواصلة تخشع امامها العقول, فاذعن العقلاء وأقروا بدليل المعجز, ومضامين الرسالات, وصلتها برب الارباب وسبب الاسباب.
وعليه: كان لابد من الانتقال الى مرحلة التطبيقات الضامنة, وهذه تعني بذل الجهد والامكانات في سبيل عمارة الارض على نحو وظيفي يتخذ منها مقراً مؤقتاً باتجاه الحتمية التامة بالانتقال الوجودي الى عالم اخر.
واللافت ان هذا العالم الذي نعبر اليه من "بوابة الموت", شديد الصلة بعالم الدنيا, ومتاعها, وطبيعة اعمالها, على قاعدة: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره, ومن يعمل مثقال ذرة شر يره", وهذا يعني ضرورة "التخطيط الوجودي الوثيق" على نحو كامل, بحيث معه "التعامل الامن" في مرحلة الاستقرار المؤقت في الدنيا, والانتقال الحتمي الى عالم الاخرة الابدي.
هذا عين المنطق, ونتاج قانون العقلاء, وميثاق أرباب الفكر, واقرار أبناء التجربة الخالدة على طول الزمن, الذين اجمعوا على أحقية عالم النقل والانتقال, وان المستقبل الوجودي حتمي لازم في الانسان النازل منازل الموتى, المنتقل الى عالم المحشر, الذي تتجلى فيه الاعمال, وتتمظهر فيه النيات الدافعة التي تشكل بنى الاعمال, ويتم فيه الحساب والجزاء, ثم الافتراق بين نوعين من البشر: أمة الى الجنة والرضوان, وأخرى الى النار والخسران